كتبها كارل ماركس في ديسمبر 1848
نشرت
في مجلة "Neue Rheinische Zeitung No. 170
" (الراينانية الجديدة) كولونيا 15 ديسمبر عام 1848
ترجمة
: سعيد العليمي
التحرير
الرقمي: علي بطحة (فبراير 2023)
كولونيا 15 ديسمبر
ان نظرية الاتفاق، التى نشرتها البورجوازية مباشرة عندما احرزت السلطة ممثلة فى وزارة كامبهاوزن بوصفها الاساس “الاعرض ” للعقد البروسي الاجتماعى، لم تكن بأى حال نظرية فارغة، فعلى النقيض من ذلك فقد نمت على شجرة الحياة ” الذهبية “.
لم تقهر ثورة مارس وسيادة الشعب العاهل بفضل الله. كان التاج، ومعه الدولة المطلقة، مضطران فحسب للوصول الى اتفاق مع منافسهما القديم.
وقدم التاج الارستقراطية كأضحية للبورجوازية، وقدمت البورجوازية الشعب كأضحية للتاج. وفى ظل هذه الظروف تصبح الملكية بورجوازية والبورجوازية ملكية.
هاتان القوتان فقط هما اللتان توجدان منذ ثورة مارس. وهما تستغلان بعضهما البعض كنوع من الضوء المرشد ضد الثورة. ودائما، بالطبع على ” اعرض الاسس الديموقراطية “.
وهنا يكمن سر نظرية الاتفاق.
لقد اسعد تجار الزيت والصوف [1] الذين شكلوا الوزارة الاولى بعد ثورة مارس حماية التاج المفضوح باجنحتهم العامية. وقد كانوا فرحين للغاية بأن باتوا على اتصال بالتاج وبعد ممانعة حفزتهم شهامتهم الخالصة ليهجروا وضعهم الرومانى الصارم، اى، الوضع الرومانى للدايت الاقليمى المتحد، وان يستخدموا جثة شعبيتهم السابقة ليملأوا الهوة التى هددت بأن تبتلع العرش. لقد تباهى كامبهاوزن بأنه كان (قابلة) مولد العرش الدستورى. كان الرجل القيم متأثرا بوضوح بما فعله، أى بشهامته الخاصة.عانى التاج واتباعه معارضين هذه الحماية المذلة وقاموا بزخم من الافعال الرديئة، آملين فى ان تأتى ايام مقبلة افضل.
كان السيد البورجوازى المهذب قد خدع ببعض المجاملات الكلمات المعسولة من الجيش المتحلل جزئيا، والبيروقراطية التى ارتعدت من اجل مراكزها واجورها، والاقطاعيون المذلون، الذين كان قائدهم منهمكا فى رحلة تعليمية دستورية.
لقد كانت البورجوازية البروسية اسميا فى موضع السيطرة ولم تشك فى لحظة ان سلطات الدولة القديمة قد وضعت نفسها بدون تحفظ تحت تصرفها وانها اصبحت امتدادا لقدرتها الكلية.
كانت البورجوازية قد تسممت بهذا الوهم ليس فقط فى الوزارة وانما على اتساع النظام الملكي.
الم يتصرف الجيش، والبيروقراطية وحتى امراء الاقطاع بوصفهم شركاء منصاعين ومطيعين فى الافعال البطولية الوحيدة التى انجزتها البورجوازية البروسية بعد ثورة مارس، اى، المكائد الدموية غالبا التى قام بها الحرس المدنى ضد البروليتاريا غير المسلحة؟ الم ينصت حكام المقاطعات الخاضعين والجنرالات الكبار التائبين باعجاب للتحذيرات الابوية الصارمة التى وجهها المستشارون المحليون الى الشعب – الجهود الوحيدة، الافعال البطولية الوحيدة التى كان هؤلاء المستشارون المحليون، الممثلون المحليون للبورجوازية (الذين كان ابتذالهم العبودى الطفيلى قد رد فيما بعد بضربات اتباع وينديشجراتس ويللاشى وولدينس) قادرون عليها بعد ثورة مارس؟ هل كان يمكن للبورجوازية البروسية ان تشك بعد هذا ان حقد الجيش السابق، والبيروقراطية والارستقراطية الاقطاعية قد تحول الى ولاء محترم للبورجوازية، المنتصر الشهم الذى وضع كابحا على نفسه وعلى الفوضى؟
من الواضح ان البورجوازية البروسية كان عليها الآن واجب واحد – وهو ان تستقر بارتياح فى السلطة، وان تتخلص من الفوضويين المزعجين، وأن تستعيد ” القانون والنظام ” وان تسترد الارباح التى خسرتها خلال عواصف مارس. لقد بات الامر الآن هو مسألة تخفيض نفقات حكمها الى الحد الادنى فحسب، ومعها تبعات ثورة مارس التى اتت بها. والم تكن الاسلحة التى كانت البورجوازية البروسية قد اضطرت لطلبها باسم الشعب فى مواجهة المجتمع الاقطاعى والتاج، مثل حق تشكيل الجمعيات، وحرية الصحافة، مقدرا لها ان تكسر فى ايدى شعب مضلل لم يعد بحاجة لاستخدامها للقتال من اجل البورجوازية والذى كشف عن ميل خطير لاستخدامها ضد البورجوازية؟
لقد كانت البورجوازية مقتنعة بوضوح بأن هناك عقبة واحدة تقف فى طريق اتفاقها مع التاج، فى صفقتها مع الدولة القديمة، التى تركت لمصيرها، وقد كانت هذه العقبة هى الشعب – قوى لكنه رفيق حقود [2] ، كما يقول هوبز.
الشعب والثورة!
كانت الثورة هى الحق الشرعى للشعب، وكانت دعاوى الشعب المتقدة مؤسسة على الثورة. لقد كانت الثورة هى الكمبيالة التى سحبها الشعب على البورجوازية. لقد اتت البورجوازية للسلطة من خلال الثورة. وكان اليوم الذى اتت فيه الى السلطة هو موعد استحقاق الكمبيالة. وكان على البورجوازية ان ترفض دفعها.
لقد عنت الثورة عند الشعب: انتم، ايها البورجوازيون، تمثلون لجنة السلامة العامة التى عهدنا لها بالحكم حتى تدافعوا عن مصالحنا، مصالح الشعب، فى مواجهة التاج، ولكن ليس من اجل ان تتوصلوا لاتفاق مع التاج دفاعا عن مصالحكم الخاصة.
لقد كانت الثورة هى احتجاج الشعب ضد الاتفاق بين البورجوازية والتاج. ومن ثم كان على البورجوازية التى كانت تسعى لاتفاقات مع التاج ان تحتج ضد الثورة.
وقد تم هذا فى ظل كامبهاوزن العظيم. لم يعترف بثورة مارس. جعل الممثلون القوميون فى برلين من انفسهم ممثلى البورجوازية البروسية، جمعية مساومين، برفض اجراء الاعتراف بثورة مارس.
لقد سعت الجمعية لتفكيك ماسبق عمله. فأعلنت للشعب البروسي بصخب ان الشعب لم يتوصل لاتفاق مع البورجوازية لعمل ثورة ضد التاج، وانما كان هدف الثورة هو تحقيق اتفاق بين التاج والبورجوازية ضد الشعب! وهكذ قضى على الحق الشرعى للشعب الثورى وتأمن اساس قانونى للبورجوازية المحافظة.
الاساس القانونى!
بروجمان، ومن خلاله جريدة كولونيا، انقسمت، اخترفت، وتأوهت كثيرا على ” الاساس القانونى ” ولطالما فقدت واستعادت هذا ” الاساس القانونى ” المثقوب ورتقته وتقاذفته من برلين الى فرانكفورت ومن فرانكفورت الى برلين، ضيقته ووسعته، وحولت الاساس البسيط الى ارضية مزخرفة والارضية المزخرفة الى قاع زائف (وهو كما نعلم، الاداة الرئيسية للقيام بشعوذات، والقاع الزائف الى باب سحرى لاقاع له، الى الحد الذى تحول فيه الاساس القانونى لقراءنا فى النهاية الى اساس جريدة كولونيا، وهكذا يمكن ان يخلطوا لهجة البورجوازية البروسية مع اللهجة الخاصة للسيد جوزيف دومونت، وهو اختراع ضرورى للتاريخ العالمى البروسي تلوكه بشكل اعتباطى جريدة كولونيا، وتعتبر الاساس القانونى ببساطة وكأنه هو الذى قامت عليه جريدة كولونيا.
الاساس القانونى، اى، الاساس القانونى البروسي!
والاساس القانونى الذى استند اليه كامبهاوزن، بطل المناظرة العظيمة، الشبح المنبعث من الدايت الاقليمى المتحد وجمعية
المساومين، تحرك بعد ثورة مارس – هل هو القانون الدستورى لعام 1815 [3]
او قانون 1820 الخاص بالدايت الاقليمى
[4]
ام مرسوم عام 1847 [5]
ام قانون الانتخاب والاتفاقيات الصادر فى 8 ابريل لعام 1848. [6]
لاشئ من هذه.
لقد عنى ” الاساس القانونى ” ان الثورة اخفقت فى تحقيق ارض صلبة وأن المجتمع القديم لم يفقد ارضه، وأن
ثورة مارس كانت ” حدثا ” مارس تأثيره بوصفه “حافزا ” فحسب لانجاز اتفاق بين العرش
والبورجوازية، وهو ماجرى الاعداد له طويلا داخل الدولة البروسية القديمة، والحاجة التى عبر عنها العرش نفسه فى
مراسيمه، غير انه لم يعتبرها “ملحة ” قبل مارس. لقد عنى ” الاساس القانونى ” باختصار، ان
البورجوازية ارادت بعد ثورة مارس ان تفاوض العرش على قدم المساواة كما كان الحال قبل احداث مارس، كما لو أن ثورة لم
تحدث وان الدايت الاقليمى المتحد قد حقق غرضه بدون ثورة. عنى الاساس القانونى ان الثورة، الحق الشرعى للشعب، قد تم
تجاهله فى العقد الاجتماعى بين الحكومة والبورجوازية. لقد استنبطت البورجوازية دعاواها من التشريع البروسى القديم
حتى لايستنبط الشعب اى دعاوى من الثورة البروسية الجديدة.
ومن الطبيعى، ان تمرر بلاهات البورجوازية الايديولوجية،
وصحفييها، ومن ماثلهم، هذه المصالح البورجوازية المخففة بوصفها المصالح الحقيقية للبورجوازية، ويغوون انفسهم
والاخرين باعتقاد ذلك. وقد اكتسبت الجملة التى دارت حول الاساس القانونى جوهرا حقيقيا فى عقل بروجمان.
لقد انجزت حكومة كامبهاوزن مهمتها، مهمة ان تكون رابطا وسيطا ومرحلة انتقالية. لقد كانت الرابط الوسيط بين البورجوازية التى نهضت على اكتاف الشعب والبورجوازية التى لم تعد تتطلب اكتاف الشعب، بين البورجوازية التى مثلت بوضوح الشعب فى مواجهة التاج والبورجوازية التى مثلت واقعيا التاج فى مواجهة الشعب، بين البورجوازية المنبثقة من الثورة والبورجوازية التى انبثقت بوصفها جوهر الثورة.
قصرت حكومة كامبهاوزن نفسها بحياء على المقاومة السلبية ضد الثورة حتى تتسق مع دورها بانسجام.
ورغم انها رفضت
الثورة نظريا، الا انها فى المارسة قاومت تعدياتها فقط وتسامحت فقط مع اعادة تأسيس السلطات السياسية القديمة.
لقد
اعتقدت البورجوازية فى نفس الوقت انها قد بلغت الحد الذى كان فيه على المقاومة السلبية ان تتحول الى هجوم ايجابى.
وقد استقالت حكومة كامبهاوزن لا لأنها ارتكبت خطأ فادحا او آخر، وانما ببساطة لانها كانت اول وزارة تلت ثورة مارس،
لانها كانت وزارة ثورة مارس وبسبب اصلها كان عليها ان تخفى انها مثلت البورجوازية تحت رداء ديكتاتورية الشعب. ان
بداياتها الملتبسة وطابعها الغامض مايزال يفرض عليها بعض المواثيق، والقيود والاعتبارات بصدد سيادة الشعب التى كانت
مضجرة بالنسبة للبورجوازية، وقد كان لوزارة ثانية نابعة مباشرة من جمعية المساومين الا تحسب لها حسابا بعد ذلك.
لذلك حيرت استقالتها سياسيي الغرف. وقد تلتها حكومة هانسمان، حكومة الاعمال، حيث نوت البورجوازية ان تنطلق من الفترة التى خدعت فيها الشعب لصالح التاج الى فترة الاخضاع الايجابى للشعب لحكمها بالاتفاق مع التاج. لقد كانت حكومة الاعمال هى الحكومة الثانية بعد ثورة مارس، وقد كان هذا هو كامل سرها.
[1]. اشارة الى كامبهاوزن الذى تاجر قبلا فى الزيت والذرة والى هانسمان الذى بدأ كتاجر صوف.
[2]. مقتطف معدل عن مقدمة توماس هوبز لكتاب المواطن.
[3]. مرسوم حول تأسيس هيئة تمثيلية قومية صدر فى 22 مايو، 1815. وقد وعد الملك فيه باقامة دايتات اقليمية، وان يدعوا للانعقاد هيئة لكل ممثلى بروسيا، واصدار دستور. ولكن دايتات اقليمية ذات وظائف استشارية محدودة قد انشئت وفق قانون صدر فى 5 يونيو، 1823.
[4]. فى ظل قانون الدين القومى الصادر فى 17، 1820 لابد من موافقة الدايتالاقليمى على قروض الدولة.
[5]. دعا مرسوم 3 فبراير 1847 لانعقاد دايت اقليمى متحد.
[6]. القانون الانتخابى الصادر فى 8 ابريل 1848.